Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
منوعات

“تدوير المخلفات” الكنز الذى اكتشفته الصين وتسعى له دول العالم

سارة ممدوح

على مدار العقود الأربعة الماضية، نجحت الصين بفضل مجموعة من العوامل على أن تحول نفسها إلى ما يشبه “مصنع العالم”، حيث باتت قوة تصنيعية رئيسة تمد دول العالم باحتياجاتها الصناعية المختلفة بفضل قدرتها على إعادة تدوير المخلفات بعد استيرادها بمليارات الدولارات من دول العالم.

“إعادة تدوير المخلفات” كانت أهم أسباب وجود الصين فى صدارة الدول الصناعية وكانت سبباً فى تحول هذه الدولة الأسيوية المزدحمة بالسكان إلى قبلة العالم للنفايات القابلة لإعادة التدوير.

فكرة إعادة التدوير جاءت إلى رجال الصناعة فى الصين خلال حقبتى الثمانينيات والتسعينيات رغماً عن أنفهم حيث لم يكن لديهم المواد الخام الكافية لإدارة وتشغيل مصانعهم وذلك بسبب أن الدولة والحكومة كانت تحتكر المواد الخام والموارد الطبيعية وكانت توفرها للشركات والمصانع التابعة للحكومة فقط ولم تكن متاحة للشركات الخاصة الصغيرة، وإذا أتيحت بشكل استثنائي للشركات الخاصة فإن ذلك يحدث بأسعار مرتفعة للغاية، تجعل العملية الإنتاجية مكلفة وغير مربحة.

بدأ رجال الصناعة الصينيون في استيراد المواد والمخلفات غير المرغوب فيها من مختلف الدول، وبأسعار زهيدة، لتتم إعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى في نشاطهم الصناعي حتى أصبحت الصين بمثابة حجر الزاوية الرئيسى في إعادة التدوير، وإذا كانت الفكرة قد بدأت بالنسبة للصينين كمخرج للمستثمرين في القطاع الصناعي لتوفير مواد صناعية رخيصة الثمن، فسريعا ما تحولت إلى نشاط تجاري كبير.


خلال التسعينيات كان نصف صناعة الورق الصينية يعتمد على المواد المعاد تدويرها، وشكلت الخردة المستوردة ثلث إنتاج الصين من النحاس. وقد أسهمت تلك الصناعة التي امتدت إلى قطاعات متعددة في استيعاب جزء ملموس من قوة العمل الصينية بلغ نحو 1.5 مليون شخص، ودعمت 10 ملايين وظيفة في مجالات أخرى، وهذا التطور لم يكن جيداً للصين فقط، بل كان جيدا جدا للبيئة وللاقتصاد العالمي ككل.

هذا الوضع الذي استمر لعقود بات الآن محل نظر من قبل الصين التى بدأت أخيرا ولأسباب بيئية في حظر بعض المواد القابلة للتدوير، من بينها 24 نوعاً من النفايات الصلبة تتضمن أنواعاً من البلاستيك ومخلفات الصلب وقطع غيار السيارات المستعملة والسفن القديمة.
ترمى السياسة الجديدة للصين إلى إرضاء الوعي الجماهيري المتزايد بشأن المخاطر البيئية، إلا أنها تمثل تحدياً اقتصادياً بالنسبة لعديد من الدول التي اعتادت لسنوات على التخلص مما لديها من نفايات وخاصة البلاستيكية منها عبر تصديرها للصين.


قد يكون القرار الصيني بعدم استيراد بعض المخلفات بمثابة فرصة كبيرة لدول جنوب شرق وجنوب آسيا مثل الفلبين وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا والهند وباكستان للتركيز على صناعة إعادة التدوير لديها، واحتلال موقع الصين، إلا أن الأمر لا يبدو من وجهة نظر البعض بهذه السهولة.

المهندس جيمس بروك من المكتب الدولي لإعادة تدوير المخلفات أكد فى العديد من اللقاءات التليفزيونية أن الصين ونتيجة لسنوات من العمل في ذلك المجال، امتلكت بنية أساسية غير متوافرة في معظم بلدان العالم للتعامل مع المواد القابلة لإعادة التدوير، ومن ثم تقليص الصين لنشاطها الاقتصادي في هذا المجال، وعدم جاهزية البلدان الأخرى لاحتلال مكانها سيخلق مشكلة نفايات عالمية، وخاصة في البلدان المتقدمة التي اعتادت على بيع تلك النفايات للصين، فنحو31 في المائة من الخردة الأمريكية ترسل إلى الصين لإعادة التدوير.

يقول بروك:”الولايات المتحدة شحنت في عام 2016 أكثر من 16 مليون طن من السلع الخردة إلى الصين بقيمة أكثر من 5.2 مليار دولار، وكل المواد البلاستيكية المعاد تدويرها في بريطانيا ترسل إلى الصين أو هونج كونج للمعالجة، والاتحاد الأوروبي يصدر نصف المواد البلاستيكية التي تم جمعها وفرزها ونحو 85 في المائة من صادراته يذهب إلى الصين، بينما صدرت أيرلندا وحدها 95 في المائة من نفايتها البلاستكية للصين عام 2016″.

ويضيف بروك “صناعة التدوير لا شك أنها قذرة وملوثة للبيئة ولكن مقارنة بالتلوث الناجم عن المناجم والمصافي وإزالة الغابات فإن صناعة إعادة التدوير تعد الخيار الأفضل”.
الكثير من الدول اتجه لصناعة إعادة التدوير وأكبر مثال على ذلك أن الاتحاد الأوروبي يعكف حاليا على إعداد خطة بشأن الاقتصاد الدائري تهدف إلى تعزيز إعادة تدوير المخلفات وفي 23 يناير الماضي أصدر الاتحاد الأوروبي أول برنامج له بشأن معالجة المخلفات البلاستيكية وبموجب البرنامج سيتخلص الاتحاد من المواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة سعيا لتكون كل مواد التغليف البلاستيكية المستخدمة في الاتحاد الأوروبي قابلة لإعادة التدوير بحلول عام 2030.


من جهته أشار المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “إريك سولهيم” إلى أن حظر الصين استيراد المخلفات الأجنبية يبعث بإشارة إلى الدول الغنية مفادها ضرورة تعزيز إعادة التدوير وتجنب المنتجات غير الضرورية مثل المصاص البلاستيكي على سبيل المثال، قائلاً:”كل أمريكي يستهلك 600 مصاص كل سنة ما أسفر عن كمية كبيرة من المخلفات البلاستيكية”.

يدل كل ذلك على أن حظر الصين استيراد المخلفات الأجنبية لم يحسن البيئة المحلية الصينية فحسب بل سيدفع الدول المصدرة للمخلفات بإصدار قوانين تعزز إعادة تدوير المخلفات وهو الأمر الذي قد تكون له أهمية كبيرة بالنسبة لقضية حماية البيئة في أنحاء العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى